العفة والصبر ، واستيلاء الاعتقادات الباطلة ، لعدم العلم المطابق لمعلومه. فكلّ شرّ ونقص فإنما حصل لعدم سبب ضده ، وعدم سبب ضده ليس فاعلا له ، بل يكفي فيه بقاؤه على العدم الأصلي.
الثاني : مانع من خارج ، كالبرد الشديد والحرق والغرق ونحو ذلك ، مما يصيب الحيوان والنبات ، فيحدث فيه الفساد ، فهذا لا ريب أنه شرّ وجوديّ مستند إلى سبب وجودي ، ولكنه شرّ نسبيّ إضافي ، وهو خير من وجه آخر ، فإن وجود ذلك الحر والبرد والماء يترتب عليه مصالح وخيرات كلية ، هذا الشر بالنسبة إليها جزئي ، فتعطيل تلك الأسباب لتفويت هذا الشر الجزئي يتضمن شرا أكثر منه ، وهو فوات تلك الخيرات الحاصلة بها ، فإن ما يحصل بالشمس والريح والمطر والثلج والحر والبرد من مصالح الخلق أضعاف أضعاف ما يحصل بذلك من مفاسد جزئية ، هي في جنب تلك المصالح كقطرة في بحر ، هذا لو كان شرّها حقيقيا ، فكيف وهي خير من وجه ، وشر من وجه ، وإن لم يعلم جهة الخير فيها كثير من الناس ، فما قدّرها الرب سبحانه سدى ، ولا خلقها باطلا.
وعند هذا فيقال : الوجود إما أن يكون خيرا من كل وجه ، أو شرا من كل وجه ، أو خيرا من وجه شرا من وجه ، وهذا على ثلاثة أقسام : قسم خيره راجح على شره وعكسه ، وقسم مستو خيره وشرّه ، وإما أن لا يكون فيه خير ولا شر ، فهذه ستة أقسام ، ولا مزيد عليها ، فبعضها واقع وبعضها غير واقع.
فأما القسم الأول وهو الخير المحض من كل وجه الذي لا شر فيه بوجه ما ، فهو أشرف الموجودات على الإطلاق وأكملها وأجلّها ، وكل كمال وخير فيها فهو مستفاد من خيره ، وكماله في نفسه ، وهي تستمدّ منه ، وهو لا يستمد منها ، وهي فقيرة إليه ، وهو غنيّ عنها ، كلّ منها يسأله كماله ،