الوجوديّ ليس فيه تفاوت ، والتفاوت إنما حصل بسبب هذا الخلق ، فإنّ الخالق سبحانه لم يخلق له استعدادا ، فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق ، لا من نفس الخلق ، فتأمله. والذي إلى الرب سبحانه هو الخلق ، وأما العدم فليس هو بفاعل له ، فإذا لم يكمل في مادة الجنين في الرحم ما يقتضي كماله وسلامة أعضائه واعتدالها ، حصل فيه التفاوت ، وكذلك النبات.
فصل
وأما الثاني : وهو أن الشر الحاصل بعد تكونه وإيجاده فهو نوعان أيضا.
أحدهما : أن يقطع عنه الإمداد الذي به كماله بعد وجوده ، كما يقطع عن النبات إمداده بالسقي ، وعن الحيوان إمداده بالغذاء ، فهو شرّ مضاف إلى العدم أيضا ، وهو عدم ما يكمل به.
الثاني : حصول مضاد مناف ، وهو نوعان.
أحدهما : قيام مانع في المحل ، يمنع تأثير الأسباب الصالحة فيه ، كما تقوم بالبدن أخلاط ردية تمنع تأثير الغذاء فيه وانتفاعه به ، وكما تقوم بالقلب إرادات واعتقادات فاسدة تمنع انتفاعه بالهدى والعلم ، فهذا الشر ، وإن كان وجوديا وأسبابه وجودية ، فهو أيضا من عدم القوة والإرادة التي يدفع بها ذلك المانع ، فلو وجدت قوة وإرادة تدفعه ، لم يتأثر المحل به.
مثاله : أنّ غلبة الأخلاط واستيلائها من عدم القوة المنضجة لها ، أو القوة الدافعة لما يحتاج إلى خروج ، وكذلك استيلاء الإرادات الفاسدة لضعف قوة