فظهر أنّ دخول الشر في الأمور الوجودية إنما هو بالنسبة والإضافة ، لا أنها من حيث وجودها وذواتها شرّ ، وكذلك السجود ليس هو شرا من حيث ذاته ووجوده ، فإذا أضيف إلى غير الله كان شرا بهذه النسبة والإضافة ، وكذلك كلّ ما وجوده كفر وشرك ، إنما كان شرا بإضافة إلى ما جعله كذلك ، كتعظيم الأصنام ، فالتعظيم من حيث هو تعظيم لا يمدح ولا يذم إلا باعتبار متعلّقه ، فإذا كان تعظيما لله وكتابه ودينه ورسوله ، كان خيرا محضا ، وإن كان تعظيما للصنم وللشيطان ، فإضافته إلى هذا المحل جعلته شرا. كما أنّ إضافة السجود إلى غير الله جعلته كذلك.
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أنّ الأشياء المكونة من موادها شيئا فشيئا كالنبات والحيوان إما أن يعرض لها النقص الذي هو شرّ ، في ابتدائها أو بعد تكونها ، فالأول هو بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها رديّة المزاج ناقصة الاستعداد ، فيقع الشر فيها والنقص في خلقها بذلك السبب ، وليس ذلك بأنّ الفاعل حرمه وأذهب عنه أمرا وجوديا به كماله ، بل لأن المنفعل لم يقبل الكمال والتمام ، وعدم قبوله أمر عدمي ، ليس بالفاعل ، وأما الذي بالفاعل فهو الخير الوجوديّ الذي يتقبل به كماله وتمامه ، ونقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال ، فبقي على العدم الأصلي ، وبهذا يفهم سرّ قوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ (٣)) [الملك] فإن ما خلقه فهو أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه ، وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله ، وعدم القبول ليس أمرا مخلوقا ، يتعلق بفعل الفاعل ، فالخلق