موضع الرحمة ، فلم يكن الشر في وجود هذه القوة ، ولا في ترتب أثرها عليها من حيث هما كذلك ، بل في إجرائها في غير مجراها.
ومثال ذلك : ماء جار في نهر إلى أرض ، يسقيها وينفعها ، فكماله في جريانه حتى يصل إليها ، فإذا عدل به عن مجراه وطريقه إلى أرض يضرها ويخرب دورها ، كان الشّرّ في العدول به عما أعدّ له وعدم وصوله إليه ، فهكذا الإرادة والغضب أعين بهما العبد ، ليتوصل بهما إلى حصول ما ينفعه وقهر ما يؤذيه ويهلكه ، فإذا استعملا في ذلك ، فهو كمالها ، وهو خير ، وإذا صرفا عن ذلك إلى استعمال هذه القوة في غير محلها ، وهذه في غير محلها ، صار ذلك شرا إضافيا نسبيا.
وكذلك النار كمالها في إحراقها ، فإذا أحرقت ما ينبغي إحراقه ، فهو خير ، وإن صادفت ما لا ينبغي إحراقه ، فأفسدته ، فهو شر إضافي بالنسبة إلى المحل المعين.
وكذلك القتل مثلا ، هو استعمال الآلة القطاعة في تفريق اتصال البدن ، فقوة الإنسان على استعمال الآلة خير ، وكون الآلة قابلة للتأثير خير ، وكون المحل قابلا لذلك خير ، وإنما الشرّ نسبيّ إضافي ، وهو وضع هذا التأثير في غير موضعه ، والعدول به عن المحل المؤذي إلى غيره ، وهذا بالنسبة إلى الفاعل. وأما بالنسبة إلى المفعول ، فهو شرّ إضافي أيضا ، وهو ما حصل له من التألم وفاته من الحياة ، وقد يكون ذلك خيرا له من جهة أخرى ، وخيرا لغيره.
وكذلك الوطء فإنّ قوة الفاعل وقبول المحلّ كمال ، ولكن الشر في العدول به عن المحلّ الذي يليق به إلى محل لا يحسن ولا يليق ، وهكذا حركة اللسان ، وحركات الجوارح كلها جارية على هذا المجرى.