أضدادها للقلب.
إذا عرف هذا ، فالشرّ بالذات هو عدم ما هو ضروري للشيء في وجوده أو بقائه أو كماله ، ولهذا العدم لوازم من شر أيضا ، فإنّ عدم العلم والعدل يلزمهما من الجهل والظلم ما هو شرور وجودية ، وعدم الصحة والاعتدال يلزمهما من الألم والضرر ما هو شر وجودي ، وأما عدم الأمور المستغنى عنها كعدم الغنى المفرط والعلوم التي لا يضر الجهل بها ، فليس بشرّ في الحقيقة ، ولا وجودها سببا للشر ، فإنّ العلم منه حيث هو علم ، والغنى منه حيث هو غنى ، لم يوضع سببا للشر ، وإنما يترتب الشر من عدم صفة تقتضي الخير ، كعدم العفة والصبر والعدل في حق الغني ، فيحصل الشر له في غناه بعدم هذه الصفات ، وكذلك عدم الحكمة ووضع الشيء موضعه ، وعدم إرادة الحكمة في حق صاحب العلم يوجب ترتّب الشر له على ذلك ، فظهر أنّ الشر لم يترتب إلا على عدم ، وإلا فالموجود من حيث وجوده لا يكون شرا ولا سببا للشر ، فالأمور الوجودية ليست شرورا بالذات ، بل بالعرض من حيث أنها تتضمن عدم أمور ضرورية أو نافعة ، فإنك لا تجد شيئا من الأفعال التي هي شر إلا وهي كمال بالنسبة إلى أمور ، وجهة الشر فيه بالنسبة إلى أمور أخر ، مثال ذلك أنّ الظلم يصدر عن قوة تطلب الغلبة والقهر ، وهي القوة الغضبية التي كمالها بالغلبة ، ولهذا خلقت ، فليس في ترتب أثرها عليها شرّ من حيث وجوده ، بل الشر عدم ترتب أثرها عليها البتة ، فتكون ضعيفة عاجزة مقهورة ، وإنما الشرّ الوجوديّ الحاصل شر إضافي بالنسبة إلى المظلوم بفوات نفسه أو ماله أو تصرفه ، وبالنسبة إلى الظالم ، لا من حيث الغلبة والاستيلاء ، ولكن من حيث وضع الغلبة والقهر والاستيلاء في غير موضعه ، فعدل به من محله إلى غير محله ، ولو استعمل قوّة الغضب في قهر المؤذي الباغي من الحيوانات الناطقة والبهيمة ، لكان ذلك خيرا ، ولكن عدل به إلى غير محله ، فوضع القهر والغلبة موضع العدل والنصفة ، ووضع الغلظة