حقيقة ، بل هو العدم المحض.
فإن قيل : فإبليس شرّ محض ، والكفر والشرك كذلك ، وقد دخلوا في الوجود ، فأيّ خير في إبليس ، وفي وجود الكفر؟.
قيل : في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات ، التي ترتبت على وجوده ، ما لا يعلمه إلا الله ، كما سننبه على بعضه ، فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ، ولا قصد بخلقه إضرار عباده وهلاكهم ، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة ، وحجة قاهرة ، وآية ظاهرة ، ونعمة سابغة ، وهو إن كان للأديان والإيمان كالسموم للأبدان ، ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها ، وأما الذي لا خير فيه ولا شرّ ، فلا يدخل أيضا في الوجود ، فإنه عبث ، فتعالى الله عنه ، وإذا امتنع وجود هذا القسم في الوجود ، فدخول ما الشر في إيجاده أغلب من الخير أولى بالامتناع ، ومن تأمل هذا الوجود ، علم أنّ الخير فيه غالب ، وأنّ الأمراض ، وإن كثرت ، فالصحة أكثر منها ، واللذات أكثر من الآلام ، والعافية أعظم من البلاء ، والغرق والحرق والهدم ونحوها ، وإن كثرت ، فالسلامة أكثر ، ولو لم يوجد هذا القسم الذي خيره غالب ، لأجل ما يعرض فيه من الشر ، لفات الخير الغالب ، وفوات الخير الغالب ، شرّ غالب ، ومثال ذلك النار ، فإنّ في وجودها منافع كثيرة ، وفيها مفاسد ، لكن إذا قابلنا بين مصالحها ومفاسدها ، لم تكن لمفاسدها نسبة إلى مصالحها ، وكذلك المطر والرياح والحر والبرد ، وبالجملة فعناصر هذا العالم السفلي خيرها ممتزج بشرّها ، ولكن خيرها غالب. وأما العالم العلوي فبريء من ذلك.
فإن قيل : فهلّا خلق الخلاق الحكيم هذه خالية من الشر ، بحيث تكون خيرات محضة ، فإن قلتم : اقتضت الحكمة خلق هذا العالم ممتزجا فيه اللذة بالألم والخير بالشر ، فقد كان يمكن خلقه على حالة لا يكون فيه شر كالعالم