العلوي ، سلّمنا أن وجود ما الخير فيه أغلب من الشر أولى من عدمه ، فأي خير ومصلحة في وجود رأس الشر كله ومنبعه وقدوة أهله فيه ، إبليس؟ وأي خير في إبقائه إلى آخر الدهر ، وأي خير يغلب في نشأة يكون فيها تسعة وتسعون إلى النار وواحد في الجنة ، وأي خير غالب حصل بإخراج الأبوين من الجنة ، حتى جرى على الأولاد ما جرى؟ ولو داما في الجنة لارتفع الشّرّ بالكلية ، وإذا كان قد خلقهم لعبادته ، فكيف اقتضت حكمته أن صرف البهم عنا ، ووفّق لها الأقل من الناس ، وأي خير يغلب في خلق الكفر والفسوق والعصيان والظلم والبغي ، وأي خير في إيلام غير المكلّفين كالأطفال والمجانين ؛ فإن قلتم : فائدته التعويض ، انتقض عليكم بإيلام البهائم ، ثم وأيّ خير في خلق الدجال وتمكينه من الظهور والافتنان به؟ وإذ قد اقتضت الحكمة ذلك ، فأي خير حصل في تمكينه من إظهار تلك الخوارق والعجائب؟ وأي خير في السحر ، وما يترتب عليه من المفاسد والمضار؟ وأي خير في إلباس الخلق شيعا ، وإذاقة بعضهم بأس بعض؟ وأي خير في خلق السموم وذات السموم والحيوانات العادية المؤذية بطبعها؟ وأي خير في خراب هذه البنية بعد خلقها في أحسن تقويم ، وردّها إلى أرذل العمر بعد استقامتها وصلاحها ، وكذلك خراب هذا الدار ومحو أثرها؟ فإن كان وجود ذلك خيرا غالبا ، فإبطاله إبطال للخير الغالب ، دع هذا كلّه ، فأيّ خير راجح أو مرجوح في النار ، وهي دار الشر الأعظم والبلاء الأكبر ، ولا خلاص لكم عن هذه الأسئلة إلا بسد باب الحكم والتعليل ، وإسناد الكون إلى محض المشيئة ، أو القول بالإيجاب الذاتي ، وأن الرب لا يفعل باختياره ومشيئته ، وهذه الأسئلة إنما ترد على من يقول بالفاعل المختار ، فلهذا لجأ القائلون إلى إنكار التعليل جملة ، فاختاروا أحد المذهبين ، وتحيّزوا إلى إحدى الفئتين ، وإلا فكيف تجمعون بين القول بالحكمة والتعليل وبين هذه الأمور؟.