بتقييد مطلق ، وهذا كثير في كلامهم جدا ، وله معنى رابع : وهو الذي يعرفه المتأخرون ، وعليه اصطلحوا ، وهو رفع الحكم بجملته بعد ثبوته بدليل رافع له ، فهذه أربعة معان للنسخ. والإحكام له ثلاثة معان :
أحدها : الإحكام الذي في مقابلة المتشابه كقوله (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ (٧)) [آل عمران].
والثاني : الإحكام في مقابلة نسخ ما يلقي الشيطان ، كقوله (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ (٥٢)) [الحج] وهذا الإحكام يعم جميع آياته وهو إثباتها وتقريرها وبيانها ، ومنه قوله (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ (١)) [هود].
الثالث : إحكام في مقابلة الآيات المنسوخة ، كما يقوله السلف كثيرا : هذه الآية محكمة غير منسوخة ، وذلك لأن الإحكام تارة يكون في التنزيل ، فيكون في مقابلة ما يلقيه الشيطان في أمنيته ما يلقيه المبلغ ، أو في سمع المبلغ ، فالحكم هنا هو المنزل من عند الله ، أحكمه الله ، أي : فصله من اشتباهه بغير المنزل ، وفصل منه ما ليس منه بإبطاله ، وتارة يكون في إبقاء المنزل واستمراره ، فلا ينسخ بعد ثبوته ، وتارة يكون في معنى المنزل وتأويله ، وهو تمييز المعنى المقصود من غيره ، حتى لا يشتبه به. والمقصود : أن قوله (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (٥٣)) [الحج] هي لام التعليل على بابها ، وهذا الاختبار والامتحان مظهر لمختلف القلوب الثلاثة ، فالقاسية ، والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر ، والمخبتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبّته وزيادة بغض الكفر والشرك والنفرة عنه ، وهذا من أعظم حكمة هذا الإلقاء.