بضعف ، فذلك مثل القلب القاسي ، أو تكون مريضة ضعيفة عاجزة ، ولضعفها ومرضها ، فذلك مثل الذي فيه مرض ، أو تكون باطشة بقوة ولين ، فذلك مثل القلب العليم الرحيم ، فبالعلم خرج عن المرض الذي ينشأ من الشهوة والشبهة ، وبالرحمة خرج عن القسوة ، ولهذا وصف سبحانه من عدا أصحاب القلوب المريضة والقاسية بالعلم والإيمان والإخبات. فتأمل ظهور حكمته سبحانه في أصحاب هذه القلوب ، وهم كل الأمة ، فأخبر أنّ الذين أوتوا العلم علموا أنه الحقّ من ربهم ، كما أخبر أنهم في المتشابه يقولون : آمنا به كلّ من عند ربنا ، وكلا الوصفين موضع شبهة ، فكان حظهم منه الإيمان ، وحظ أرباب القلوب المنحرفة عن الصحة الافتتان ، ولهذا جعل سبحانه إحكام آياته في مقابلة ما يلقي الشيطان بإزاء الآيات المحكمات في مقابلة المتشابهات ، فالأحكام هاهنا بمنزلة إنزال المحكمات هناك ، ونسخ ما يلقي الشيطان هاهنا في مقابلة ردّ المتشابه إلى المحكم هناك ، والنسخ هاهنا رفع ما ألقاه الشيطان ، لا رفع ما شرعه الرب سبحانه ، وللنسخ معنى آخر ، وهو النسخ من أفهام المخاطبين ما فهموه مما لم يرده ، ولا دلّ اللفظ عليه ، وإن أوهمه ، كما أطلق الصحابة النسخ على قوله (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ (٢٨٤)) [البقرة] قالوا نسختها قوله (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٢٨٦)) [البقرة] الآية ، فهذا نسخ من الفهم ، لا نسخ للحكم الثابت ، فإنّ المحاسبة لا تستلزم العقاب في الآخرة ولا في الدنيا أيضا ، ولهذا عمّهم بالمحاسبة ، ثم أخبر بعدها أنه يغفر لمن يشاء ، ويعذّب من يشاء ، ففهم المؤاخذة التي هي المعاقبة من الآية تحميل لها فوق وسعها ، فرفع هذا المعنى من فهمه بقوله (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٢٨٦)) [البقرة] إلى آخرها ، فهذا رفع لفهم غير المراد من إلقاء الملك ، وذاك رفع لما ألقاه غير الملك في أسماعهم أو في التمني ، وللنسخ معنى ثالث عند الصحابة والتابعين : وهو ترك الظاهر إما بتخصيص عام ، أو