جَمِيعاً (٣٢)) [المائدة].
وقد ظنت طائفة أن قوله : من أجل ذلك ، تعليل لقوله : فأصبح من النادمين ، أي : من أجل قتله لأخيه ، وهذا ليس بشيء ، لأنه يشوش صحة النظم ، وتقلّ الفائدة بذكره ، ويذهب شأن التعليل بذلك للكتابة المذكورة وتعظم شأن القتل ، حين جعل علة لهذه الكتابة ، فتأمله.
فإن قلت : كيف يكون قتل أحد بني آدم للآخر علة لحكمه على أمة أخرى بذلك الحكم ، وإذا كان علة فكيف كان قاتل نفس واحدة بمنزلة قاتل الناس كلّهم؟.
قلت : الرب سبحانه يجعل أقضيته وأقداره عللا وأسبابا لشرعه وأمره ، فجعل حكمه الكوني القدري علة لحكمه الديني الأمري ، وذلك أنّ القتل عنده لمّا كان من أعلى أنواع الظلم والفساد ، فخّم أمره ، وعظّم شأنه ، وجعل إثمه أعظم من إثم غيره ، ونزّل قاتل النفس الواحدة منزلة قاتل الأنفس كلها ، ولا يلزم من التشبيه أن يكون المشبّه بمنزلة المشبه به من كل الوجوه ، فإذا كان قاتل الأنفس كلها يصلى النار ، وقاتل النفس الواحدة يصلاها ، صح تشبيهه به ، كما يأثم من شرب قطرة واحدة من الخمر ومن شرب عدة قناطير ، وإن اختلف مقدار الإثم ، وكذلك من زنى مرة واحدة ، وآخر زنا مرارا كثيرة ، كلاهما آثم ، وإن اختلف قدر الإثم ، وهذا معنى قول مجاهد : من قتل نفسا واحدة يصلى النار بقتلها كما يصلاها من قتل الناس جميعا.
وعلى هذا فالتشبيه في أصل العذاب لا في وصفه ، وإن شئت قلت : التشبيه في أصل العقوبة الدنيوية وقدرها ، فإنه لا يختلف بقلة القتل وكثرته ، كما لو شرب قطرة ، فإن حدّه حد من شرب راوية ، ومن زنى بامرأة واحدة ، حده حدّ من زنى بألف ، وهذا تأويل الحسن وابن زيد ، قالا : يجب عليه من