المقصود إذكار إحداهما الأخرى إذا ضلّت ونسيت ، فلما كان الضلال سببا للإذكار ، جعل موضع العلة ، كما تقول : أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط ، فأدعمه بها ، فإنما أعددتها للدعم ، لا للميل ، وأعددت هذا الدواء أن أمرض ، فأتداوى به ، ونحوه ، وهذا قول سيبويه والبصريين.
قال أهل الكوفة : تقديره : كي تذكّر إحداهما الأخرى إن ضلّت ، فلما تقدم الجزاء ، اتصل بما قبله ، ففتحت أن.
قال الفراء : ومثله قوله : ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى. معناه : ليعجبني أن يعطى السائل إن سأل ، لأنه إنما يعجبه الإعطاء ، لا السؤال ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ (١٧٣)) [الأعراف] فذكر سبحانه من حكم أخذ الميثاق عليهم أن لا يحتجوا يوم القيامة بغفلتهم عن هذا الأمر ، ولا بتقليد الأسلاف ، ومنه قوله : (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ (٧٠)) [الأنعام] فالضمير في به للقرآن ، وأن تبسل ، في محلّ نصب على أنه مفعول له ، أي : حذار أن تسلم نفس إلى الهلكة والعذاب ، وترتهن بسوء عملها.
فصل
النوع السادس : ذكر ما هو من صرائح التعليل ، وهو «من أجل» كقوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ