فصل
النوع الثامن : ذكر الحكم الكوني والشرعي عقيب الوصف المناسب له ، وتارة يذكر بإن ، وتارة يقرن بالفاء ، وتارة يذكر مجردا.
فالأول : كقوله : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠)) [الأنبياء]. وقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)) [الذاريات] وقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)) [يوسف] وقوله : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)) [الأعراف].
والثاني كقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا (٣٨)) [المائدة] وقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (٢)) [النور] (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (٤)) [النور].
والثالث : كقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)) [الحجر] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (٢٧٧)) [البقرة] وهذا في التنزيل يزيد على عدة آلاف موضع ، بل القرآن مملوء منه ، فإن قيل : هذا إنما يفيد كون تلك الأفعال أسبابا لما رتّب عليها ، لا يقتضي إثبات التعليل في فعل الرب وأمره ، فأين هذا من هذا؟ قيل : لما جعل الربّ سبحانه هذه الأوصاف عللا لهذه الأحكام وأسبابا لها ، دل ذلك على أنه حكم بها شرعا وقدرا لأجل تلك الأوصاف ، وأنه لم يحكم بها لغير