ثم عاينوه ، ولم يؤمنوا ، لعوجلوا بالعقوبة ، ولم ينظروا.
وأيضا فإنه جعل الرسول بشرا ، ليمكنهم التلقي عنه والرجوع إليه ، ولو جعله ملكا فإما أن يدعه على هيئة الملائكة أو يجعله على هيئة البشر ، والأول يمنعهم من التلقي عنه ، والثاني لا يحصل مقصودهم ، إذا كانوا يقولون : هو بشر ، لا ملك.
وقال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)) [الإسراء].
فأخبر سبحانه عن المانع من إنزال الملائكة ، وهو أنه لم يجعل الأرض مسكنا لهم ، ولا يستقرون فيها مطمئنين ، بل يكون نزولهم لينفّذوا أوامر الرب سبحانه ، ثم يعرجون إليه ، ومن هذا قوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ (٥٩)) [الإسراء].
فأخبر سبحانه عن حكمته في الامتناع من إرسال رسله بآيات الاقتراح والتشهّي ، وهي أنها لا توجب الإيمان ، فقد سألها الأوّلون ، فلما أوتوها كذبوا بها ، فأهلكوا ، فليس لهم مصلحة في الإرسال بها ، بل حكمته سبحانه تأبى ذلك كل الإباء ، ثم نبه على ما أصاب ثمود من ذلك ، فإنهم اقترحوا الناقة ، فلما أعطوا ما سألوا ، ظلموا ، ولم يؤمنوا ، فكان في إجابتهم إلى ما سألوا هلاكهم واستئصالهم.
ثم قال : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (٥٩)) [الإسراء] أي : لأجل التخويف ، فهو منصوب نصب المفعول لأجله.
قال قتادة : إن الله يخوّف الناس بما شاء من آياته ، لعلهم يعتبرون أو يذكرون أو يرجعون ، وهذا يعم آياته التي تكون مع الرسل ، والتي تقع بعدهم