بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات ، فهما مظهران بحمده وحكمته ، فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره ، فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزّه عنه الرب ، ويتعالى عن نسبته إليه ، فإنهم أثبتوا خلقا وأمرا لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة ، بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة ، وينهى عما فيه مصلحة ، والجميع بالنسبة إليه سواء.
ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه ، وينهى عن جميع ما أمر به ، ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي ، ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين ، بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره ، وينعم على من لم يطعه طرفة عين ، بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور ، فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول ، وإلا فهو جائز عليه ، وهذا من أقبح الظن وأسوئه بالرب سبحانه ، وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور ، بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.
والعجب العجاب أنّ كثيرا من أرباب هذا المذهب ينزّهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال ، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ، ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور ، ويزعمون أنه عدل وحق ، وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به ، كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته وتكلّمه وتكليمه وصفات كماله ، فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات. والله ولي التوفيق.