الغايات والمصالح المحمودة التي توجب لمن عرفها إقراره بأنه تنزيل من حكيم حميد ، فلو كان الحقّ ما يقوله النّفاة ، وأن مرجع ذلك وتصوره مجرد القدرة والمشيئة التي يجوز عليها تأييد الكاذب بالمعجزة ونصره وإعلاؤه وإهانة الحق وإذلاله وكسره ، لما كان في التدبر والتفكر مما يدلّهم على صدق رسله ، ويقيم عليهم حجته ، وكان غاية ما دعوا إليه القدر المحض ، وذلك ، مشترك بين الصادق والكاذب والبر والفاجر.
فهؤلاء بإنكارهم الحكمة والتعليل سدّوا على نفوسهم باب الإيمان والهدى ، وفتحوا عليهم باب المكابرة وجحد الضروريات ، فإن ما في خلق الله وأمره من الحكم والمصالح المقصودة بالخلق والأمر والغايات الحميدة أمر تشهد به الفطر والعقول ، ولا ينكره سليم الفطرة ، وهم لا ينكرون ذلك ، وإنما يقولون وقع بطريق الاتفاق ، لا بالقصد ، كما تسقط خشبة عظيمة ، فيتفق عبور حيوان مؤذ تحتها ، فتهلكه.
ولا ريب أن هذا ينفي حمد الرب سبحانه ، على حصول هذه المنافع والحكم ، لأنها لم تحصل بقصده وإرادته ، بل بطريق الاتفاق الذي لا يحمد عليه صاحبه ، ولا يثنى عليه ، بل هو عندهم بمثابة ما لو رمى رجل درهما ، لا لغرض ولا لفائدة ، بل لمجرد قدرته ومشيئته على طرحه ، فاتفق أن وقع في يد محتاج ، انتفع به ، فهذا من شأن الحكم والمصالح عند المنكرين.
فصل
النوع الرابع عشر : إخباره عن صدور الخلق والأمر عن حكمته وعلمه ، فيذكر هذين الاسمين عند ذكر مصدر خلقه وشرعه تنبيها على أنهما إنما