صدرا عن حكمة مقصودة مقارنة للعلم المحيط التام لقوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦)) [النمل] وقوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)) [الزمر] فذكره العزّة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف ، والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم.
وقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)) [المائدة] وسمع بعض الأعراب قارئا يقرؤها : والله غفور رحيم ، فقال : ليس هذا كلام الله ، فقال : أتكذب بالقرآن؟ فقال : لا ولكن لا يحسن هذا ، فرجع القارئ إلى خطئه فقال : عزيز حكيم ، فقال : صدقت.
وإذا تأملت ختم الآيات بالأسماء والصفات ، وجدت كلامه مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام ، حتى كأنها ذكرت دليلا عليه وموجبة له ، وهذا كقوله : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)) [المائدة] أي : فإن مغفرتك لهم مصدر عن عزة ، هي كمال القدرة ، لا عن عجز وجهل.
وقوله : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)) [يس] في عدة مواضع من القرآن يذكر ذلك عقيب ذكره الأجرام العلوية وما تضمنه من فلق الإصباح وجعل الليل مسكنا ، وإجراء الشمس والقمر بحساب لا يعدوانه ، وتزيين السماء بالنجوم وحراستها ، وأخبر أنّ هذا التقدير المحكم المتقن صادر عن عزّته وعلمه ، ليس أمرا اتفاقيا ، لا يمدح به فاعله ، ولا يثنى عليه به كسائر الأمور الاتفاقية.
ومن هذا ختمه سبحانه قصص الأنبياء وأممهم في سورة الشعراء عقيب كل قصة : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)) [الشعراء] فإن ما حكم به لرسله وأتباعهم ولأعدائهم صادر عن عزة ورحمة ، فوضع الرحمة في محلها ،