وأنتقم من أعدائه بعزته ، ونجّى رسله وأتباعهم برحمته ، والحكمة الحاصلة من ذلك أمر مطلوب مقصود ، وهي غاية الفعل ، لا أنها أمر اتفاقي.
فصل
النوع الخامس عشر : إخباره بأن حكمه أحسن الأحكام ، وتقديره أحسن التقادير ، ولو لا مطابقته للحكمة والمصلحة المقصودة المرادة لما كان كذلك ، إذ لو كان حسنه لكونه مقدورا معلوما كما يقوله النفاة ، لكان هو وضده سواء ، فإنه بكلّ شيء عليم ، وعلى كلّ شيء قدير ، فكان كل معلوم مقدور أحسن الأحكام وأحسن التقادير ، وهذا ممتنع قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)) [المائدة] وقال : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (١٢٥)) [النساء] فجعل هذا أن يختار لهم دينا سواه ، ويرتضي دينا غيره ، كما يمتنع عليه العيب والظلم ، وقال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)) [فصلت] وقال : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣)) [المرسلات] وقال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)) [المؤمنون] فلا أحسن من تقديره وخلقه لوقوعه على الوجه الذي اقتضته حكمته.
وقال تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ (٣)) [الملك] ولو لا مجيئه على أكمل الوجوه وأحسنها ومطابقتها للغايات المحمودة والحكم المطلوبة ، لكان كله متفاوتا ، أو كان عدم تفاوته أمرا اتفاقيا ، لا يحمد فاعله ، لأنه لم يرده ولم يقصده ، وإنما اتفق أن صار كذلك.