ولهذا صرّح كثير من النفاة كالجويني والرازي بأنه لم يقم على نفي النقائص عن الله دليل عقلي إلا مستندا لنفي السمع والإجماع ، وحينئذ فيقال لهؤلاء : إن لم يكن في إثبات الحكمة نقص ، لم يجز نفيها ، وإن كانت نقصا ، فأين في السمع أو في الإجماع نفي هذا النقص.
وجمهور الأمة يثبت حكمته سبحانه والغايات المحمودة في أفعاله ، فليس مع النفاة سمع ولا عقل ولا إجماع ، بل السمع والعقل والإجماع والفطرة تشهد ببطلان قولهم ، والله الموفق للصواب.
وجماع ذلك أنّ كمال الرب تعالى ، وجلاله وحكمته وعدله ورحمته وقدرته وإحسانه وحمده ومجده وحقائق أسمائه الحسنى ، تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة ولا لغاية مطلوبة ، وجميع أسمائه الحسنى تنفي ذلك ، وتشهد ببطلانه ، وإنما نبّهنا على بعض طرق القرآن ، وإلا فالأدلة التي تضمنها إثبات ذلك أضعاف أضعاف ما ذكرنا ، وبالله التوفيق.
فصل
وكيف يتوهّم ذو فطرة صحيحة خلاف ذلك ، وهذا الوجود شاهد بحكمته وعنايته بخلقه أتم عناية ، وما في مخلوقاته من الحكم والمصالح والمنافع والغايات المطلوبة والعواقب الحميدة أعظم من أن يحيط به وصف ، أو يحصره عقل. ويكفي الإنسان فكره في نفسه وخلقه وأعضائه ومنافعها ، وقواه وصفاته وهيئاته ، فإنه لو استنفد عمره لم يحط علما بجميع ما تضمنه خلقه من الحكم والمنافع على التفصيل ، والعالم كله علويّة وسفليّة بهذه المثابة ، ولكن لشدة ظهور الحكمة ووضوحها وجد الجاحد السبيل إلى