فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا (٥٩)) [القصص].
فنزّه نفسه عن هذه الأفعال ، لأنه لا يليق بكماله ، لأنه لا يليق بكماله ، وينافي حكمته وحمده. وعند النّفاة أنها ليست مما ينزّه الربّ عنه ، لأنها مقدورة له وهو إنما ينزه عما لا يقدر عليه ، ولكن علمنا أنها لا تقع لعدم مسببه لها ، لا لقبحها في نفسها.
فصل
النوع الثاني والعشرون : أن تعطيل الحكمة والغاية المطلوبة بالفعل إما أن يكون لعدم علم الفاعل بها ، أو تفاصيلها ، وهذا محال في حقّ من هو بكلّ شيء عليم ، وإما لعجزه عن تحصيلها ، وهذا ممتنع في حق من هو على كل شيء قدير ، وإما لعدم إرادته ومشيئته الإحسان إلى غيره وإيصال النفع إليه ، وهذا مستحيل في حقّ أرحم الراحمين ومن إحسانه من لوازم ذاته ، فلا يكون إلا محسنا منعما منّانا ، وإما لمانع يمنع من إرادتها وقصدها ، وهذا مستحيل في حق من لا يمنعه مانع عن فعل ما يريد ، وإما لاستلزامها نقصا ومنافاتها كمالا ، وهذا باطل ، بل هو قلب للحقائق وعكس للفطر ومناقضة لقضايا العقول ، فإن من يفعل ، لحكمة وغاية مطلوبة يحمد عليها ، أكمل ممن يفعل لا لشيء البتة ، كما أن من يخلق أكمل ممن لا يخلق ، ومن يعلم أكمل ممن لا يعلم ، ومن يتكلم أكمل مما لا يتكلم ، ومن يقدر ويريد أكمل ممن لا يتصف بذلك ، وهذا مركوز في الفطر مستقر في العقول ، فنفي حكمته بمنزلة نفي هذه الأوصاف عنه ، وذلك يستلزم وصفه بأضدادها ، وهي أنقص النقائص.