بمن يستحقها من غيرهم ، فهل هذا وصف من يخص بمحض المشيئة لا بسبب وغاية؟.
فصل
النوع الحادي والعشرون : إخباره سبحانه عن تركه بعض مقدوره لما يستلزمه من المفسدة ، وأنّ المصلحة في تركه ، ولو كان الأمر راجعا إلى محض المشيئة ، لم يكن ذلك علة للحكم ، كقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)) [الأنفال] فعلل سبحانه عدم إسماعهم السماع الذي ينتفعون به ، وهو سماع الفهم ، بأنهم لا خير فيهم يحسن معه أن يسمعهم ، وبأن فيهم مانعا آخر يمنع من الانتفاع بالمسموع لو سمعوه ، وهو الكبر والإعراض ، فالأول من باب تعليل عدم الحكم بعدم ما يقتضيه ، والثاني من باب تعليله بوجود مانعه ، وهذا إنما يصح ممن يأمر وينهى ويفعل للحكم والمصالح ، وأما من يجرد فعله عن ذلك ، فإنه لا يضاف عدم الحكم إلا إلى مجرد مسبّبه فقط ، ومن هذا تنزيهه نفسه عن كثير مما يقدر عليه ، فلا يفعله ، لمنافاته لحكمته وحمده كقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (١٧٩)) [آل عمران] وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)) [الأنفال] وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (١١٥)) [التوبة] وقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)) [هود] وقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ