عن ذلك ، ومن هذا قوله تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (١٢٤)) [الأنعام] فأجابهم بأن حكمته وعلمه يأبى أن يضع رسالاته في غير محلها وعند غير أهلها ، ولو كان الأمر راجعا إلى محض المشيئة لم يكن في هذا جوابا ، بل كان الجواب أن أفعاله لا تعلّل ، وهو يرجّح مثلا على مثل بغير مرجّح ، والأمر عائد إلى مجرد القدرة ، كما يقوله المنكرون ، وكذلك قوله : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)) [الأنعام].
فلما سألوا عن التخصيص بمشيئة الله ، وأنكروا ذلك ، أجيبوا بأن الله أعلم بمن يصلح لمشيئته ، وهو أهل لها ، وهم الشاكرون الذين يعرفون قدر النعمة ، ويشكرون عليها المنعم ، فهؤلاء يصلحون لمشيئته ، ولو كان الأمر عائدا إلى محض المشيئة ، لم يحسن هذا الجواب ، ولهذا يذكر سبحانه صفة العلم ، حيث يذكر التخصيص والتفصيل بينهما على أنه بما حصل بعلمه سبحانه بما في التخصيص المفصل ، مما يقتضي تخصيصه وتفصيله ، وهو الذي جعله أهلا لذلك ، كما قال تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١)) [الأنبياء] فذكر علمه عقيب ذكر تخصيصه سليمان بتسخير الريح له ، وتخصيصه الأرض المذكورة بالبركة.
ومنه قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)) [المائدة] فذكر صفة العلم التي اقتضت تخصيص هذا المكان وهذا الزمان بأمر ، اختصّا به دون سائر الأمكنة والأزمنة.
ومن ذلك قوله سبحانه : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)) [الفتح] فأخبر أنه وضع هذه الكلمة عند أهلها ومن هم أحق بها ، وأنه أعلم