وتعطيل لها ، وكان شيخ هذا المذهب جهم بن صفوان يقف على الجذامى (١) ، ويشاهد ما هم فيه من البلايا ، ويقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟! يعني أنه ليس ثمّ رحمة في الحقيقة ، وإن الأمر راجع إلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة ، ولا حكمة عنده ولا رحمة ، فإن المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة ، ولا حكمة عنده ولا رحمة ، فإن الرحمة لا تعقل إلا من فعل من يفعل الشيء لرحمة غيره ونفعه والإحسان إليه ، فإذا لم يفعل لغرض ولا غاية ولا حكمة ، لم يفعل الرحمة والإحسان.
فصل
النوع العشرون : جوابه سبحانه لمن سأل عن التخصيص والتمييز الواقع في أفعاله بأنه لحكمة يعلمها هو سبحانه ، وإن كان السائل لا يعلمها ، كما أجاب الملائكة لما قال لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (٣٠)) [البقرة] فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (٣٠)) [البقرة] فأجابهم بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)) [البقرة] ولو كان فعله مجردا عن الحكم والغايات والمصالح ، لكان الملائكة أعلم به إن سألوا هذا السؤال ، ولم يصح جوابهم بتفرده بعلم ما لا يعلمونه من الحكم والمصلحة التي في خلق هذا الخليفة ، ولهذا كان سؤالهم إنما وقع عن وجه الحكمة ، لم يكن اعتراضا على الرب تعالى.
ولو قدّر أنه على وجه الاعتراض ، فهو دليل على علمهم أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة ، فلما رأوا أن خلق هذا الخليفة مناف للحكمة في الظاهر ، سألوه
__________________
(١) المصابون بالجذام (مرض).