كذلك من لم يقصد الإنعام والإحسان ، وهذا غنيّ عن التقرير ، يوضحه أنه سبحانه حيث ذكر إنعامه وإحسانه ، فإنما يذكره مقرونا بالحكم والمصالح والمنافع التي خلق الخلق وشرع الشرائع لأجله كقوله في آخر سورة النحل : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١)) فهذا في الخلق.
وقال في الشرع ، في أمره باستقبال الكعبة : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)) [البقرة].
وقال في أمره بالوضوء والتيمم : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)) [المائدة] فجعل تمام نعمته في أن خلق ما خلق للإحسان ، وأمر بما أمر لذلك.
فصل
النوع التاسع عشر : اتّصافه بالرحمة ، وأنه أرحم الراحمين ، وأن رحمته وسعت كل شيء ، وذلك لا يتحقق إلا بأن تقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم وبما أمرهم به ، فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إليهم لما كان رحمة ، ولو حصلت بها الرحمة ، لكانت اتفاقية لا مقصودة ، وذلك لا يوجب أن يكون الآمر سبحانه أرحم الراحمين ، فتعطيل حكمته والغاية المقصودة التي لأجلها يفعل إنكار لرحمته في الحقيقة ،