من ذلك؟ فإن أردت الأول ، لم تفدك شيئا ، وإن أردت الثاني أو الثالث ، كانت دعوى مجردة ، لا برهان عليها ، فإن حكمة الرب تعالى فوق تحصيل اللذة ودفع الغم والحزن ، فإنه يتعالى عن ذلك ، بل ليس كمثل حكمته شيء ، كما أنه موصوف بالإرادة ، وليست كإرادة الحيوان ، فإن الحيوان يريد ما يريده ليجلب له منفعة ، أو يدفع به عنه مضرة ، وكذلك غضبه ، ليس مشابها لغضب خلقه ، فإنّ غضب المخلوق هو غليان دم قلبه طلبا للانتقام ، والله يتعالى عن ذلك ، وكذلك سائر صفاته ، فكما أنه ليس كمثله شيء في إرادته ورضاه وغضبه ورحمته وسائر صفاته ، فهكذا حكمته سبحانه ، لا تماثل حكمة المخلوقين ، بل هي أجلّ وأعلى من أن يقال : إنها تحصيل لذة أو دفع حزن ، فالمخلوق لنقصه يحتاج أن يفعل ذلك ، لأن مصالحه لا تتم إلا به ، والله سبحانه غنيّ بذاته عن كل ما سواه ، لا يستفيد من خلقه كمالا ، بل خلقه يستفيدون كمالهم منه.
الجواب التاسع : أن يقال : قد دلّ الوحي مع العقل على أنه سبحانه يحب ويبغض ، أما الوحي فالقرآن مملوء من ذلك ، وأما العقل فما نشاهد في العالم من إكرام أوليائه وأهل طاعته ، وإهانة أعدائه وأهل معصيته شاهد لمحبته لهؤلاء ورضاه عنهم ، وبغضه لهؤلاء وسخطه عليهم ، ومعلوم قطعا أن من يحب ويبغض أكمل محبة وبغض ، وهو قادر على تحصيل محابّه ، فإنّ حكمته فيما يفعله ويتركه أتمّ حكمة وأكملها ، فهو يفعل ما يفعله لأنه يوصل إلى محابه ، ويترك ما يتركه لأنه لا يحبه ، وإذا فعل ما يكرهه ، لم يفعله إلا لإفضائه إلى ما يحبّ ، وإن كان مكروها في نفسه ، فإن أردت باللذة والسرور والهم والحزن الحبّ والبغض ، فالربّ تعالى يحب ويبغض ، لم يلزم من كونه يفعل لحكمة ، أن يتصف بذلك.
الجواب العاشر : أنه سبحانه إذا كان قادرا على تحصيل ذلك بدون