الوسائط ، وهو قادر على تحصيله بها ، كان فعل النوعين أكمل ، وأبلغ في القدرة ، وأعظم في ملكه وربوبيته من كونه لا يفعل إلا بأحد النوعين ، والربّ تعالى تتنوع أفعاله ، لكمال قدرته وحكمته وربوبيته ، فهو سبحانه قادر على تحصيل تلك الحكمة بواسطة إحداث مخلوق منفصل ، وبدون إحداثه ، بل بما يقوم به من أفعاله اللازمة ، وكلماته وثنائه على نفسه ، وحمده لنفسه ، فمحبوبه يحصل بهذا وهذا ، وذلك أكمل ممن لا يحصل محبوبه إلا بأحد النوعين.
الجواب الحادي عشر : أن الربّ سبحانه كامل في أوصافه وأسمائه وأفعاله ، فلا بد من ظهور آثارها في العالم ، فإنه محسن ، ويستحيل وجود الإحسان بدون من يحسن إليه ، ورزّاق فلا بد من وجود من يرزقه ، وغفار وحليم وجواد ولطيف بعباده ، ومنان ووهاب وقابض وباسط وخافض ورافع ومعز ومذل ، وهذه الأسماء تقتضي متعلقات تتعلق بها وآثارا تتحقق بها ، فلم يكن بدّ من وجود متعلقاتها ، وإلا تعطلت تلك الأوصاف ، وبطلت تلك الأسماء ، فتوسّط تلك الآثار لا بد منه في تحقيق معاني تلك الأسماء والصفات ، فكيف يقال : إنه عبث لا فائدة فيه؟! وبالله التوفيق.
فصل
قال نفاة الحكمة : لو وجب أن يكون خلقه وأمره معللا بحكمة وغرض ، لكان خلق الله العالم ، في وقت معين دون ما قبله ودون ما بعده ، معللا برعاية غرض ومصلحة ، ثم تلك المصلحة والغرض إما أن يقال : كان حاصلا قبل ذلك الوقت ، أو لم يكن حاصلا قبله ، فإن كان ما لأجله أوجد