الله العالم في ذلك الوقت حاصلا قبل أن أوجده ، فيلزم أن يقال : إنه كان موجدا له قبل أن لم يكن موجدا له ، وذلك محال ، وإن قلنا : إن ذلك الغرض والمصلحة لم يكن حاصلا قبل ذلك الوقت ، وإنما حدث في ذلك الوقت ، فنقول : حصول ذلك الغرض في ذلك الوقت إما أن يكون مفتقرا إلى المحدث ، أو لا يفتقر ، فإن لم يفتقر ، فقد حدث الشيء لا عن موجد ومحدث ، وهو محال ، وإن افتقر إلى محدث ، فإن افتقر تخصّص إحداث ذلك الغرض بذلك الوقت إلى غرض آخر ، عاد التقسيم الأول فيه ، ولزم التسلسل ، وإن لم يفتقر إلى رعاية غرض آخر ، فحينئذ تكون موجديّة الله سبحانه وخالقيته غنية عن الأغراض والمصالح ، وهذا هو المطلوب.
قالوا : وهذه الحجة كما أنها قائمة في اختصاص العالم بذلك الوقت المعين ، فهي قائمة في اختصاص كل حادث من الحوادث بوقته المعين ، وملخصها : أن إحداث الحادث في وقته ، إن كان لغرض ، فإن كان ذلك الغرض حاصلا قبله ، لزم حدوثه قبل حدوثه ، وإلا افتقر إلى الإحداث ، فإحداثه إن كان لغرض ، تسلسل ، وإلا ثبت المطلوب.
قال أهل الحكمة : هذه الحجة بعينها مذكورة في ضمن الحجة الثانية التي تقدمت ، وكأنكم يعجبكم التشيع بكره الباطل ، وجميع ما أجبناكم به هناك فهو الجواب هاهنا بعينه ، فغاية هذا أنه تسلسل في الآثار ، لا في المؤثرات ، وتسلسل في الحوادث المستقبلة ، وذلك جائز ، بل واجب باتفاق المسلمين سوى قول جهم والعلّاف.
وغاية الأمر أن يكون في الحوادث ما يراد لنفسه ، وفيها ما يراد لغيره ، والحكمة المطلوبة لنفسها ، لا تفتقر إلى أخرى ، تراد لأجلها ، وإن هذا الدليل ، لو صحّت مقدماته ، وهيهات ، فإنما يدل على أن أفعاله تعالى لا يجب تعليلها ، ولا يلزم من ذلك أن لا يجوز تعليلها ، فنفي الوجوب شيء ،