ونفي الجوار شيء ، فهب أنا سلّمنا الأول ، فأين الدليل الثاني؟ وغايتها أنها تدل على عدم تعليل بعض الحوادث ، لا على عدم تعليل جميعها ، وبالجملة فما تقدم هناك مغزاها عن الإطالة في الأجوبة ، وسر المسألة أن دوام فاعليته ، في المستقبل ، متفق عليه ، والسلف على دوامها ، في الماضي ، وإنما خالف في ذلك كثير من أهل الكلام.
فصل
قال نفاة الحكمة : قد قام الدليل على أنه سبحانه خالق كل شيء ، فأيّ حكمة أو مصلحة في خلق الكفر والفسوق والعصيان ، وأي حكمة في خلق من علم أنه يكفر ويفسق ويظلم ويفسد الدنيا والدين ، وأي حكمة في خلق كثير من الجمادات التي وجودها وعدمها سواء ، وكذلك كثير من الأشجار والنبات والمعادن المعطلة ، والحيوانات المهملة ، بل العادية المؤذية؟ وأي حكمة في خلق السموم والأشياء المضرة ، وأي حكمة في خلق إبليس والشياطين؟ وإن كان في خلقهم حكمة ، فأيّ حكمة في بقائه إلى آخر الدهر ، وإماتة الرسل والأنبياء ، وأي حكمة في إخراج آدم وحواء من الجنة ، وتعريض الذرية لهذا البلاء العظيم ، وقد أمكن أن يكونوا في أعظم العافية ، وأي حكمة في إيلام الحيوانات؟ وإن كان في إيلام المكلّفين منها حكمة ، فما الحكمة في إيلام غير المكلف كالبهائم والأطفال والمجانين ، وأي حكمة له في خلقه خلقا ، يعذبهم بأنواع العذاب الدائم الذي لا ينقطع ، وأي حكمة في تسليط أعدائه على أوليائه ، يسومونهم سوء العذاب قتلا وأسرا وعقوبة واستعباد؟ وأي حكمة في تكليف الثقلين ، وتعريضها بالتكليف لأنواع