المشاق والعذاب؟ قالوا : ونحن العقلاء نعلم علما ضروريا أن خلود أهل النار فيها فعل الله ، ونعلم ضرورة أنه لا فائدة في ذلك تعود إليه ولا إلى المعذبين ولا إلى غيرهم.
قالوا : ويكفينا في ذلك مناظرة الأشعري لأبي هاشم (١) الجبائي حين سأله عن ثلاثة إخوة ، مات أحدهم مسلما قبل البلوغ ، وبلغ الآخران ، فمات أحدهما مسلما والآخر كافرا ، فاجتمعوا عند ربّ العالمين ، فبلغ المسلم البالغ المرتبة العلية بعمله وإسلامه ، فقال أخوه : يا رب! هلّا رفعتني إلى منزلة أخي المسلم؟ فقال : إنه عمل أعمالا لم تعملها ، فقال : يا رب فهلّا أحييتني حتى أعمل مثل عمله؟ قال : علمت أنّ موتك صغيرا خير لك ، إذ لو بلغت لكفرت ، فصاح الأخ الثالث من أطباق الجحيم ، وقال : يا رب! فهلا أمتني صغيرا قبل البلوغ ، كما فعلت بأخي؟ فما جوابه؟ قال : فانقطع الشيخ ولم يذكر جوابا.
قال نفاة الحكمة : وهذا قاطع في المسألة لا غبار عليه ، وقال تعالى : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ (٢١)) [العنكبوت] وقال : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (٢٨٤)) [البقرة] (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ (٢٣)) [الأنبياء] فردّ الأمر إلى محض مشيئته ، وأخبر أن صدور الأشياء كلها عنها.
وقالوا : وأصل ضلال الخلق هو طلب تعليل أفعال الرب ، كما قال شيخ الإسلام في تائيته :
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة |
|
هو الخوض في فعل الإله بعلة |
__________________
(١) الذي في كتب الكلام أن المناظرة كانت بين أبي الحسن وشيخه أبي علي الجبائي.