فإنهم لما طلبوا علة أفعاله ، فأعجزهم العلم بها ، افترقوا بعد ذلك ، فطائفة ردّت الأمر إلى الطبيعة والأفلاك ، التزمت مكابرة الحسّ والعقل ، وقالوا : إنّ خلود أهل النار في النار أنفع لهم وأصلح من كونهم في الجنة ، وإن إبقاء إبليس يغوي الخلق ويضلهم ، أنفع لهم من إماتته ، وإن إماتة الأنبياء أصلح للأمم من إبقائهم بينهم ، وإن تعذيب الأطفال خير لهم من رحمتهم ، إلى غير ذلك من المحالات التي قادهم إليها الخوض في تعليل أفعال من لا يسأل عما يفعل ، فلذلك قلنا :
إن الصواب القول بعدم التعليل ، وتخلصنا من الحبائل والأشراك التي وقعتم فيها.
قال أهل الحكمة : ليست هذه الأسئلة والاعتراضات التي قد جئتم بها ، في حكمة أحكم الحاكمين ، بأقوى من الأسئلة والاعتراضات التي قدح بها أهل الإلحاد في وجوده سبحانه ، وقد أقاموا أربعين شبهة تنفي وجوده ، وكذلك اعتراضات المكذبين لرسوله ، وقد حكيتم أنتم عنهم ثمانين اعراضا ، وكذلك الاعتراضات التي قدح بها المعطّلة ، في إثبات صفات كماله ، قد علمتم شأنها وكبرها ، وكذلك الاعتراضات التي نفى بها الجهمية علوّه على خلقه ، واستواءه على عرشه ، وتكلّمه بكتبه وتكليمه لعباده ، وقد علمتم الاعتراضات التي اعترض بها أهل الفلسفة على كونه خالقا للعالم في ستة أيام ، وعلى كونه يقيم الناس من قبورهم ، ويبعثهم إلى دار السعادة أو الشقاء ، ويبدل هذا العالم ، ويأتي بغيره.
واعتراضات هؤلاء وأسئلتهم أضعاف اعتراضات نفاة الحكمة ، وغايات أفعاله المقصودة ، وكذلك اعتراضات نفاة القدر وأسئلتهم إلى غير ذلك.
وقد اقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن أقام في هذا العالم لكل حقّ