جاحدا ، ولكل صواب معاندا ، كما أقام لكل نعمة حاسدا ، ولكل شر رائدا ، وهذا من تمام حكمته الباهرة وقدرته القاهرة ، ليتم عليهم (١) كلمته وينفذ فيهم مشيئته ويظهر فيهم حكمته ، ويقضي بينهم بحكمه ، ويفاضل بينهم بعلمه ، ويظهر فيهم آثار صفاته العليا وأسمائه الحسنى ، ويتبين لأوليائه وأعدائه يوم القيامة أنه لم يخل لحكمة ، ولم يخلق خلقه عبثا ، ولا يتركهم سدى ، وأنه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، وأن له الحمد التام الكامل على جميع ما خلقه وقدره وقضاه ، وعلى ما أمر به ونهى عنه ، وعلى ثوابه وعقابه ، وأنه لم يضع من ذلك شيئا إلا في محله الذي لا يليق به سواه ، قال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩)) [النحل] وإذا تبين لأهل الموقف ، ونفذ فيهم قضاؤه الفصل وحكمه العدل ، نطق الكون أجمعه بحمده كما قال تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)) [الزمر] وجواب هذه الأسئلة من وجوه.
أحدها : أنّ الحكمة إنما تتعلق بالحدوث والوجود والكفر والشرور ، وأنواع المعاصي راجعة إلى مخالفة نهي الله ورسوله ، وترك ما أمر به ، وليس ذلك من متعلق الإيجاد في شيء ، ونحن إنما التزمنا أن ما فعله الله وأوجده ، فله فيه حكمة وغاية مطلوبة ، وأما ما تركه سبحانه ، ولم يفعله ، فإنه وإن كان إنما تركه لحكمة في ذلك ، فلم يدخل في كلامنا ، فلا يرد علينا ، وقد قيل : إنّ الشرّ ليس إليه بوجه ، فإنه عدم الخير وأسبابه ، والعدم ليس بشيء كاسمه ، فإذا قلنا : إن أفعال الرب تعالى واقعة بحكمة وغاية محمودة ، لم يرد علينا تركه ، يوضحه :
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «عليه».