وجودها ، كان هذا غاية الكذب والبهت والمحال ، وإن قلتم : وجودها أكمل ، قيل : فهل هو قادر على تحصيلها في جميع خلقه وأحكامه ، أم غير قادر ، فإن قلتم غير قادر ، جئتم بالعظيمة في العقل والدين ، وانسلختم من عقولكم وأذهانكم ، وإن قلتم : بل هو قادر على ذلك ، قيل : فإذا كان قادرا على شيء ، وهو كمال في نفسه ، ووجوده خير من عدمه ، وهو أولى به ، فكيف يجوز نفيه عنه؟ فإن قلتم : إنما نفيناه لأنّا لم نطّلع على حقيقته ، قيل : صدقتم والله سائلكم في جميع ما تنفونه عن الله ، إنما مستندكم في نفيه عدم الاطلاع على حقيقته ، ولم تكتفوا بقبول قول الرسل ، فصرتم إلى النفي.
الجواب العاشر : أن العقلاء قاطبة متفقون على أنّ الفاعل إذا فعل أفعالا ، ظهرت فيها حكمته ، ووقعت على أتمّ الوجوه وأوفقها للمصالح المقصودة بها ، ثم إذا رأوا أفعاله قد تكررت كذلك ، ثم جاءهم من أفعاله ما لا يعلمون وجه حكمته فيه ، لم يسعهم غير التسليم ، لما عرفوا من حكمته ، واستقرّ في عقولهم منها ، وردّوا منها ما جهلوه إلى محكم ما علموه ، هكذا نجد أرباب كل صناعة مع أستاذهم ، حتى إن النفاة يسلكون هذا المسلك بعينه مع أئمتهم وشيوخهم ، فإذا جاءهم إشكال على قواعد أئمتهم ومذاهبهم ، قالوا : هم أعلم منا ، وهم فوقنا في كل علم ومعرفة وحكمة ، ونحن معهم كالصبيّ مع معلمه وأستاذه ، فهلّا سلكوا هذا السبيل مع ربّهم وخالقهم الذي بهرت حكمته العقول؟ وكان نسبتها إلى حكمته أولى من نسبة عين الخفاش إلى جرم الشمس ، ولو أنّ العالم الفاضل المبرّز في علوم كثيرة اعترض على من لا يشاركه في صنعته ، ولا هو من أهلها ، وقدح في أوضاعها ، لخرج عن موجب العقل والعلم ، وعدّ ذلك نقصا وسفها ، فكيف بأحكم الحاكمين وأعلم العالمين وأقدر القادرين.
الجواب الحادي عشر : أنّ الحكمة إنما تتم بخلق المتضادات والمتقابلات ،