ثابت (١) له سبحانه بكل وجه ، وهذه الصفة تستلزم سائر صفات الكمال ، إذ من المحال ثبوت الملك الحقيقي التام لمن ليس له حياة ولا قدرة ، ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ، ولا فعل اختياري يقوم به ، وكيف يوصف بالملك من لا يأمر ولا ينهى ، ولا يثيب ولا يعاقب ، ولا يعطي ولا يمنع ، ولا يعز ويذل ، ويهين ويكرم ، وينعم وينتقم ويخفض ويرفع ، ويرسل الرسل إلى أقطار مملكته ، ويتقدم إلى عبيده بأوامره ونواهيه ، فأي ملك في الحقيقة لمن عدم ذلك ، وهذا يبين أن المعطّلين لأسمائه وصفاته جعلوا مماليكه أكمل منه ، ويأنف أحدهم أن يقال في أميره وملكه ما يقوله هو في ربّه ، فصفة ملكية الحق مستلزمة لوجود ما لا يتم التصرف إلا به ، والكل منه سبحانه ، فلم يتوقف كمال ملكه على غيره ، فإنّ كلّ ما سواه مسند إليه متوقف في وجوده على مشيئته وخلقه ، يوضحه :
الوجه الرابع عشر : أنّ كمال ملكه بأن يكون مقارنا بحمده ، فله الملك وله الحمد ، والناس في هذا المقام ثلاث فرق.
فالرسل وأتباعهم أثبتوا له الملك والحمد ، وهذا مذهب من أثبت له القدر والحكمة وحقائق الأسماء والصفات ، ونزّهه عن النقائص ومشابهة المخلوقات. ويوحشك في هذا المقام جميع الطوائف غير أهل السنة الذين لم يتحيزوا إلى نحلة ولا مقالة ولا متبوع من أهل الكلام.
الفرقة الثانية الذين أثبتوا له الملك ، وعطّلوا حقيقة الحمد ، وهم الجبرية نفاة الحكمة والتعليل القائلين بأنه يجوز عليه كل ممكن ، ولا ينزه عن فعل قبيح ، بل كلّ ممكن ، فإنه لا يقبح منه ، وإنما القبيح المستحيل لذاته كالجمع بين النقيضين ، فيجوز عليه تعذيب ملائكته وأنبيائه ورسله وأهل طاعته
__________________
(١) تستقيم العبارة إذا كانت (والمعنى : الملك الحقيقي ...).