وإكرام إبليس وجنوده ، وجعلهم فوق أوليائه في النعيم المقيم أبدا ، ولا سبيل لنا إلى العلم باستحالة ذلك إلا من نفي الخلف في خبره فقط ، فيجوز أن يأمر بمشيئته ومشيئة أنبيائه ، والسجود للأصنام ، وبالكذب والفجور وسفك ونهب الأموال ، وينهى عن البر والصدق والإحسان والعفاف ، ولا فرق في نفس الأمر بين ما أمر به ونهى عنه إلا التحكم بمحض المشيئة ، وأنه أمر بهذا ، ونهى عن هذا ، من غير أن يكون فيما أمر به صفة حسن ، تقتضي محبّته والأمر به ، ولا فيما نهى عنه صفة قبح ، تقتضي كراهته والنهي عنه.
فهؤلاء عطلوا حمده في الحقيقة ، وأثبتوا له ملكا بلا حمد ، مع أنهم في الحقيقة لم يثبتوا له ملكا ، فإنهم جعلوه معطّلا في الأزل والأبد ، لا يقوم به فعل البتة ، وكثير منهم عطّلة عن صفات الكمال التي لا يتحقق كونه ملكا وربا وإلها إلا بها ، فلا ملك أثبتوا ولا حمد.
الفرقة الثالثة : أثبتوا له نوعا من الحمد ، وعطلوا كمال ملكه ، وهم القدرية الذين أثبتوا نوعا من الحكمة ، ونفوا لأجلها كمال قدرته ، فحافظوا على نوع من الحمد ، عطلوا له كمال الملك.
وفي الحقيقة لم يثبتوا لا هذا ولا هذا ، فإن الحكمة التي أثبتوها ، جعلوها راجعة إلى المخلوق ، لا يعود إليه سبحانه حكمها ، والملك الذي أثبتوه ، فإنهم في الحقيقة إنما قرّروا نفيه ، لنفي قيام الصفات التي لا يكون ملكا حقا إلا بها ، ونفي قيام الأفعال الاختيارية ، فلم يقم به عندهم وصف ولا فعل ، ولا له إرادة ولا كلام ولا سمع ولا بصر ولا فعل ، ولا له حبّ ولا بغض ، معطل عن حقيقة الملك والحمد.
والمقصود أنّ عموم ملكه يستلزم إثبات القدر ، وأن لا يكون في ملكه شيء بغير مشيئته ، فالله أكبر من ذلك وأجلّ ، وعموم حمده يستلزم أن لا