يكون في خلقه وأمره ما لا حكمة فيه ولا غاية محمودة يفعل لأجلها ، ويأمر لأجلها ، فالله أكبر وأجلّ من ذلك يوضحه :
الوجه الخامس عشر : أنّ مجرّد الفعل من غير قصد ولا حكمة ولا مصلحة يقصده الفاعل لأجلها ، لا يكون متعلقا للحمد ، فلا يحمد عليه ، حتى لو حصلت به مصلحة ، من غير قصد الفاعل لحصولها ، لم يستحق الحمد عليها كما تقدم تقريره ، بل الذي يقصد الفعل لمصلحة وحكمة وغاية محمودة ، وهو عاجز عن تنفيذ مراده ، أحقّ بالحمد من قادر لا يفعل لحكمة ولا لمصلحة ولا لقصد الإحسان. هذا المستقر في فطر الخلق ، والرب سبحانه حمده قد ملأ السموات والأرض وما بينهما وما بعد ذلك ، فملأ العالم العلويّ والسفلي والدنيا والآخرة ، ووسع حمده ما وسع علمه ، فله الحمد التام على جميع خلقه ، ولا حكم يحكم إلا بحمده ، ولا قامت السموات والأرض إلا بحمده ، ولا يتحول شيء في العالم العلوي والسلفي من حال إلى حال إلا بحمده ، ولا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إلا بحمده ، كما قال الحسن رحمة الله عليه : لقد دخل أهل النار النار ، وإن حمده لفي قلوبهم ، ما وجدوا عليه سبيلا.
وهو سبحانه إنما أنزل الكتاب بحمده ، وأرسل الرسل بحمده ، وأمات خلقه بحمده ، ويحييهم بحمده ، ولهذا حمد نفسه على ربوبيته الشاملة لذلك كله ، فالحمد لله رب العالمين. وحمد نفسه على إنزال كتبه ، فالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب.
وحمد نفسه على خلق السموات والأرض ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (١)) [الأنعام]. وحمد نفسه على كمال ملكه ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ