ضمنها للكفار مغمورة جدا بالنسبة إلى مصالحها وحكمها ، وهي كمفسدة المطر إذا قطع المسافر وبلّ الثياب وخرّب بعض البيوت بالنسبة إلى مصلحة العامة.
وتأمل ما حصل بالطوفان وغرق آل فرعون ، للأمم من الهدى والإيمان الذي غمر مفسدة من هلك حتى تلاشت في جنب مصلحته وحكمته.
فكم لله من حكمة في آياته التي ابتلى بها أعداءه ، وأكرم فيها أولياءه ، وكم له فيها من آية وحجة وتبصرة وتذكرة ، ولهذا أمر سبحانه رسوله أن يذكر بها أمته فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)) [إبراهيم] فذكرهم بأيامه وإنعامه ونجاتهم من عدوهم وإهلاكهم ، وهم ينظرون ، فحصل بذلك من ذكره وشكره ومحبته وتعظيمه وإجلاله ما تلاشت فيه مفسدة إهلاك الأبناء وذبحهم واضمحلت ، فإنهم صاروا إلى النعيم ، وخلصوا من مفسدة العبودية لفرعون ، إذا كبروا ، وسومهم له سوء العذاب ، وكان الألم الذي ذاقه الأبوان عند الذبح أيسر من الآلام التي كانوا تجرّعوها باستعباد فرعون وقومه لهم بكثير ، فحظي بذلك الآباء والأبناء.
وأراد سبحانه أن يري عباده ما هو من أعظم آياته ، وهو أن يربى هذا المولود الذي ذبح فرعون ما شاء الله من الأولاد في طلبه ، في حجر فرعون ، وفي بيته ، وعلى فراشه ، فكم في ضمن هذه الآية من حكمة ومصلحة ورحمة وهداية وتبصرة ، وهي موقوفة على لوازمها وأسبابها ، ولم تكن لتوجد بدونها ، فإنه ممتنع ، فمصلحة تلك الآية وحكمتها غمرت مفسدة ذبح