ويكرر ذلك ، فقيل له في المنام : أنت سألتني العصمة وعبادي يسألوني العصمة ، فإذا عصمتكم من الذنوب ، فلمن أغفر ، وعلى من أتوب ، وعمن أعفو؟.
ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه ، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه ، يوضحه :
الوجه العشرون : أنه قد يترتب على خلق من يكفر به ، ويشرك به ، ويعاديه ، من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة ما لم يكن يحصل بدون ذلك ، فلولا كفر قوم نوح ، لما ظهرت آية الطوفان ، وبقيت يتحدث بها الناس على ممرّ الزمان ، ولو لا كفر عاد ، لما ظهرت آية الريح العقيم التي دمرت ما مرت عليه ، ولو لا كفر قوم صالح لما ظهرت آية إهلاكهم بالصيحة ، ولو لا كفر فرعون لما ظهرت تلك الآيات والعجائب ، يتحدث بها الأمم أمة بعد أمة ، واهتدى من شاء الله ، فهلك بها من هلك عن بيّنة ، وحيّ بها من حيّ عن بينة ، وظهر بها فضل الله وعدله وحكمته وآيات رسله وصدقهم.
فمعارضة الرسل وكسر حججهم ودحضها والجواب عنها وإهلاك الله لهم من أعظم أدلة صدقهم وبراهينه.
ولو لا مجيء المشركين بالحدّ والحديد والعدد والشوكة يوم بدر ، لما حصلت تلك الآية العظيمة التي يترتب عليها من الإيمان والهدى والخير ما لم يكن حاصلا مع عدمها.
وقد بيّنا أن الوقوف على الشيء لا يوجد بدونه ، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع ، فلله كم عمرت قصة بدر من ربع! أصبح آهلا بالإيمان ، وقد فتحت لأولي النّهى من باب ، وصلوا منه إلى الهدى والإيقان ، وكم حصل بها من محبوب للرحمن وغيظ للشيطان ، وتلك المفسدة التي حصلت في