منزلة الصلاة من القلب منزلة الغذاء والدواء ، فإذا تناول الجائع الشديد الجوع من اللقمة أو اللقمتين كان غناؤها عنه وسدّها من جوعه يسيرا جدا ، وكذلك المرض الذي يحتاج إلى قدر يغني من الدواء ، إذا أخذ منه المريض قيراطا من ذلك ، لم يزل مرضه بالكليّة ، وأزال بحسبه ، فما حصل الغذاء أو الشفاء للقلب بمثل الصلاة ، وهي لصحته ودوائه بمنزلة غذاء البدن ودوائه.
ثم لما أكمل صلاته ، شرع له أن يقعد قعدة العبد الذليل المسكين لسيده ، ويثني عليه بأفضل التحيات ، ويسلم على من جاء بهذا الحظ الجزيل ومن نالته الأمة على يديه ، ثم يسلّم على نفسه وعلى سائر عباد الله المشاركين له في هذه العبودية ، ثم يتشهد شهادة الحق ، ثم يعود فيصلي على من علّم الأمة هذا الخير ، ودلّهم عليه ، ثم شرع له أن يسأل حوائجه ، ويدعو بما أحب ما دام بين يدي ربّه مقبلا عليه ، فإذا قضى ذلك ، أذن له في الخروج منها بالتسليم على المشاركين له في الصلاة ، هذا إلى ما تضمنته الأحوال والمعارف من أول المقامات إلى آخرها ، فلا تجد منزلة من منازل السير إلى الله ، ولا مقاما من مقامات العارفين إلا وهو في ضمن الصلاة ، وهذا الذي ذكرناه من شأنها كقطرة من بحر ، فكيف يقال : إنها تكليف محض ، لم يشرع لحكمة ولا لغاية قصدها الشارع ، بل هي محض وكلفة ومشقّة مستندة إلى محض المشيئة ، لا لغرض ، ولا لفائدة البتة ، بل مجرد قهر وتكليف ، وليست سببا لشيء من مصالح الدنيا والآخرة.
ثم تأمل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها ، كيف تجدها مشحونة بالحكم المقصودة والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها ، التي لولاها لكان الناس كالبهائم ، بل أسوأ حالا ، فكم في الطهارة من حكمة ومنفعة للقلب والبدن ، وتفريح للقلب ، وتنشيط للجوارح وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة ، وألقاه عزّ النفس من درن المخالفات ، فهي منظّفة للقلب والروح والبدن ،