في مصلحته وحكمته إلا أنه سيماء هذه الأمة ، وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ، ليست لأحد غيرهم ، ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أنّ المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة ، ليستعدّ للدخول على ربه ومناجاته ، والوقوف بين يديه طاهر البدن والثوب والقلب ، فأيّ حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا؟ ولما كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى إنّ تحت كل شعرة شهوة ، سرى غسل الجنابة إلى حيث سرت الشهوة ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن تحت كل شعرة جنابة» (١).
فأمر أن يوصل الماء إلى أصل كل شعرة ، فيبرد حرارة الشهوة ، فتسكن النفس ، وتطمئن إلى ذكر الله وتلاوة كلامه والوقوف بين يديه. فو الله لو أن أبقراط ودونه أوصوا بمثل هذا ، لخضع أتباعهم لهم فيه ، وعظّموهم عليه غاية التعظيم ، وأبدوا له من الحكم والفوائد ما قدروا عليه ، ثم لما كان العبد خارج الصلاة مهمل جوارحه ، قد أسامها في مراتع الشهوات والحظوظ ، أمر العبودية بجميع جوارحه كلها على ربه ، وتأخذ بحظها من عبوديته ، فيسلم قلبه وبدنه وجوارحه وحواسه وقواه لربه عزوجل ، واقفا بين يديه مقبلا بكلّه عليه ، معرضا عمن سواه ، متنصّلا من إعراضه عنه وجنايته على حقه ، ولما كان هذا طبعه وذاته ، أمر أن يجدّد هذا الركوع إليه والإقبال عليه وقتا بعد وقت ، لئلا يطول عليه الأمد ، فينسى ربه ، وينقطع عنه بالكلية ، وكانت الصلاة من أعظم نعم الله عليه وأفضل هداياه التي ساقها إليه ، فأبى نفاة الحكمة إلا جعلها كلفة وعناء وتعبا ، لا لحكمة ولا لمصلحة البتة إلا مجرد القهر والمشيئة ، وقد فتح ذلك الباب فسّاق الشريعة كلها من أولها إلى آخرها ، هذا المساق ، واستدلّ بما ظهر لك على ما خفي عنك ، ولعل
__________________
(١) ضعيف رواه أبو داود (٢٤٨) وغيره عن أبي هريرة. وفيه الحارث بن وجيه :
ضعيف.