أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢)) [الروم] وقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)) [النحل] وقال تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)) [النور].
فتأمل كيف نبّه سبحانه باختلاف الحيوانات في المشي ، مع اشتراكها في المادة ، على الاختلاف فيما وراء ذلك من أعضائها وأشكالها وقواها وأفعالها وأغذيتها ومساكنها ، فنبه على الاشتراك والاختلاف ، فيشير إلى يسير منه ، فالطير كلها تشترك في الريش والجناح ، وتتفاوت فيما وراء ذلك أعظم تفاوت. واشتراك ذوات الحوافر في الحافر كالفرس والحمار والبغل ، وتفاوتها في ما وراء ذلك. واشتراك ذوات الأظلاف في الظلف ، وتفاوتها في غير ذلك. واشتراك ذوات القرون فيها ، وتفاوتها في الخلق والمنافع والأشكال. واشتراك حيوانات الماء في كونها سابحة ، تأوي فيها ، وتتكون فيها ، وتفاوتها أعظم تفاوت ، عجز البشر ، إلى الآن ، عن حصره. واشتراك الوحوش في البعد عن الناس والتفاوت عنهم وعن مساكنهم ، وتفاوتها في صفاتها وأشكالها وطبائعها وأفعالها أعظم تفاوت ، يعجز البشر عن حصره. واشتراك الماشي منها على بطنه في ذلك وتفاوت نوعه. واشتراك الماشي على رجلين في ذلك وتفاوت نوعه أعظم تفاوت. وكلّ من هذه الأنواع له علم وإدراك وتحيّل على جلب مصالحه ودفع مضاره ، يعجز كثير منها نوع الإنسان ، فمن أعظم الحكم الدلالة الظاهرة على معرفة الخالق الواحد المستولي بقوته وقدرته وحكمته على ذلك كله ، بحيث جاءت كلها مطيعة منقادة منساقة إلى ما خلقها له على وفق مشيئته وحكمته ، وذلك أدلّ شيء على قوته القاهرة وحكمته البالغة وعلمه الشامل ، فيعلم إحاطة قدرة واحدة