أفضى إلى الآخرة ، لم يكن له شيء ، كما ثبت هذا المعنى في الصحيح ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
ومنها : أن إبقاءه لم يكن كرامة في حقه ، فإنه لو مات كان خيرا له ، وأخف لعذابه وأقل لشرّه ، ولكن لما غلظ ذنبه بالإصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه والقدح في حكمته والحلف على اقتطاع عباده وصدّهم عن عبوديته ، كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه ، فأبقي في الدنيا ، وأملي له ليزداد هذا إثما على إثم ذلك الذنب ، فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره ، فيكون رأس أهل الشر في العقوبة ، كما كان رأسهم في الشر والكفر ، ولما كان مادة كل شر ، فعنه ينشأ ، جوزي في النار مثل فعله ، فكل عذاب ينزل بأهل النار ، يبدأ به فيه ، ثم يسري منه إلى أتباعه عدلا ظاهرا أو حكمة بالغة.
ومنها : أنه قال في مخاصمته لربه : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً (٦٢)) [الإسراء].
وعلم سبحانه أن في الذرية من لا يصلح لمساكنته في داره ، ولا يصلح إلا لما يصلح له الشوك والروث ، أبقاه له ، وقال له بلسان القدر : هؤلاء أصحابك وأولياؤك ، فاجلس في انتظارهم ، وكلما مرّ بك واحد منهم ، فشأنك به ، فلو صلح لي ، لما ملكتك منه ، فإني أتولّى الصالحين ، وهم الذي يصلحون لي ، وأنت وليّ المجرمين الذين غنوا عن موالاتي وابتغاء مرضاتي ، قال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)) [النحل].
فأما إماتة الأنبياء والمرسلين ، فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ، ولكن ليصلوا