إلى محلّ كرامته ، ويستريحوا من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائهم وأتباعهم ، وليحيى الرسل بعدهم ، يرى رسولا بعد رسول ، فإماتتهم أصلح لهم وللأمة ، أما هم فلراحتهم من الدنيا ، ولحوقهم بالرفيق الأعلى في أكمل لذة وسرور ، ولا سيما وقد خيّرهم ربّهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به ، وأما الأمم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة ، بل أطاعوهم بعد مماتهم ، كما أطاعوهم في حياتهم ، وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم ، بل يعبدون الله بأمرهم ونهيهم ، والله هو الحي الذي لا يموت ، فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللأمم ، هذا وهم بشر ، ولم يخلق الله البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام ، بل جعلهم خلائف في الأرض ، يخلف بعضهم بعضا ، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف ، ولضاقت بهم الأرض ، فالموت كمال لكل مؤمن ، ولو لا الموت لما طاب العيش في الدنيا ، ولا هناء لأهلها بها ، فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة.
الوجه السابع والعشرون : قوله : أيّ حكمة ومصلحة في إخراج آدم من الجنة إلى دار الابتلاء والامتحان؟.
فالجواب أن يقال : كم لله سبحانه في ذلك من حكمة ، وكم فيه من نعمة ومصلحة تعجز العقول عن معرفتها على التفصيل ، ولو استفرغت قواها كلها في معرفة ذلك. وإهباط آدم وإخراجه من الجنة كان يعسر كماله ليعود إليها على أحسن أحواله ، وهو سبحانه إنما خلقه ليستعمره وذريته في الأرض ، ويجعلهم خلفاء ، يخلف بعضهم بعضا ، فخلقهم سبحانه ليأمرهم وينهاهم ويبتليهم ، وليست الجنة دار ابتلاء وتكليف ، فأخرج الأبوين إلى الدار التي خلقوا منها وفيها ، ليتزودوا منها إلى الدار التي خلقوا لها ، فإذا وفّوا تعب دار التكليف ونصبها ، عرفوا قدر تلك الدار وشرفها وفضلها ، ولو نشئوا في