يخلق خلقه سدى ، لا يأمرهم ، ولا ينهاهم ، ولا يتركهم هملا ، لا يثيبهم ، ولا يعاقبهم ، بل خلقوا للأمر والنهي والثواب والعقاب ، ولا يليق بحكمته وحمده غير ذلك.
فصل
وقد عرف من هذا الجواب عن قولهم : أيّ حكمة في خلق النفس مريدة للخير والشر ، وهلّا خلقت مريدة للخير وحده؟ وكيف اقتضت الحكمة تمكينها من الشر ، مع القدرة على منعها منه ، وأي حكمة في إعطائها قوة وأسبابا ، يعلم المعطي أنها لا يفعل بها إلا الشر وحده ، وأي حكمة في إقرار هذه النفوس على غيّها وظلمها وعدوانها ، ومعلوم أنّ من يفعل لحكمة ، لا يفعل ذلك ، وأن من يفعل لحكمة ، إذا رأى عبيده يقتل بعضهم بعضا ، ويفسد بعضهم بعضا ، ويظلم بعضهم بعضا ، وهو قادر على منعهم ، فلا تدعه حكمته ، وهما لهم ، بحيث يتركهم كذلك ، فإما أن يكون عالما بما يأتون ، أو لا يكون قادرا على منعهم ، أو لا يكون ممن يفعل لغرض وحكمة ، والأولان مستحيلان في حقّ الرب تعالى ، فتعين الثالث. ومبنى هذه الشبهة على أصل فاسد ، وهو قياس الربّ على خلقه ، وتشبيههم في أفعاله ، بحيث يحسن منه ما يحسن (١) منهم ، ويقبح منه ما يقبح منهم.
ولهذا كانت القدرية مشبهة الأفعال ، ومتأخروهم جمعوا بين هذا التشبيه وبين تعطيل الصفات ، فصاروا معطلين للصفات ، مشبهين في الأفعال ، وهذا
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «يحصن».