الأصل الفاسد مما ردّه عليهم سائر العقلاء ، وقالوا : قياس أفعال الرب على أفعال العباد من أفسد القياس ، وكذلك قياس حكمته على حكمتهم وصفاته على صفاتهم.
ومن المعلوم أن الرب تعالى ، علم أنّ عباده يقع منهم الكفر والظلم والفسوق ، وكان قادرا على أن لا يوجدهم ، وأن يوجدهم كلهم أمة واحدة على ما يحب ويرضى ، وأن يحول بينهم وبين بغي بعضهم ، ولكن حكمته البالغة أبت ذلك ، واقتضت إيجادهم على الوجه الذي هم عليه ، وهو سبحانه خلق النفوس أصنافا ، فصنف مريد للخير وحده ، وهي نفوس الملائكة ، وصنف مريد للشر وحده ، وهي نفوس الشياطين ، وصنف فيه إرادة النوعين ، وهي النفوس البشرية.
فالأولى الخير لهم طباع ، وهي محمودة عليه ، والشرّ للنفوس الثانية طباع ، وهي مذمومة عليه ، والصنف الثالث بحسب الغالب عليه من الوصفين ، فمن غلب عليه وصف الخير ، التحق بالصنف الأول ، ومن غلب عليه وصف الشر ، التحق بالصنف الثالث ، فإذا اقتضت الحكمة وجود هذا الصنف الثالث ، فأن يقتضي وجود الثاني أولى وأحرى ، والربّ تعالى اقتضت قدرته وعزته وحكمته إيجاد المتقابلات في الذوات والصفات والأفعال كما تقدم ، وقد نوّع خلقه تنويعا دالا على كمال قدرته وربوبيته ، فمن أعظم الجهل والضلال أن يقول القائل : هلّا كان خلقه كلهم نوعا واحدا؟ فيكون العالم علوا كله ، أو نورا كله. أو الحيوان ملكا كله ، وقد يقع في الأوهام الفاسدة ، أنّ هذا كان أولى وأكمل ، ويعرض الوهم الفاسد ما ليس ممكنا كمالا.
الوجه السادس والثلاثون : قوله : وأيّ حكمة في إيلام الحيوانات غير المكلفة؟.