وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله ، وأنت أهل لأن تحمد» وما عمرت الدنيا إلا بحمده ، ولا الجنة إلا بحمده ، ولا النار إلا بحمده ، حتى إنّ أهلها ليحمدونه ، كما قال الحسن : لقد دخل أهل النار النار ، وإنّ قلوبهم لتحمده ، ما وجدوا عليه من حجة ولا سبيل.
فصل
فإن قيل : فأي لذة وأي خبر ينشأ من العذاب الشديد الدائم الذي لا ينقطع ، ولا يفتر عن أهله ، بل أهله فيه أبد الآباد ، كلما نضجت جلودهم بدّلوا جلودا غيرها ، لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم طرفة عين؟.
قيل : لعمر الله! هذا سؤال يقلقل الجبال ، فضلا عن قلوب الرجال ، وعن هذا السؤال أنكر من أنكر حكمة العزيز الحكيم ، وردّ الأمر إلى مشيئة محضة ، لا سبب لها ولا غاية ، وجوّز على الله أن يعذب أهل طاعته وأولياءه ، وينزلهم إلى أسفل الجحيم ، وينعم أعداءه المشركين به ، ويرفعهم إلى أعلى جنات النعيم أبد الآباد ، وأن يدخل النار من شاء بغير سبب ولا عمل أصلا ، وأن يفاوت بين أهلها ، مع مساويهم ، في الأعمال ، ويسوّي بينهم في العذاب ، مع تفاوتهم في الأعمال ، وأن يعذب الرجل بذنب غيره ، وأن يبطل حسناته كلها ، فلا يثيبه بها ، أو يثيب بها غيره ، وكل ذلك جائز عليه ، لا يعلم أنه لا يفعله إلا بخبر صادق ، إذ نسبة ذلك وضده إليه على حد سواء.