يعتقد هذا ، فليس بمؤمن ولا مصدق للرسل ، فهذا في المبدأ ، وذاك في المعاد.
ثم جاءت طائفة أخرى ، فطووا بساط الخلق والأمر جملة ، وقالوا : كل هذا محال وتلبيس ، وما ثمّ وجودان ، بل الوجود كله واحد ، ليس هناك خالق ومخلوق ورب ومربوب ، وطاعة ومعصية ، وما الأمر إلا نسق واحد ، والتفريق من أحكام الوهم والخيال ، فالسماوات والأرض والدنيا والآخرة ، والأزل والأبد ، والحسن والقبيح ، كله شيء واحد ، وهو من عين واحدة. ثم استدركوا ، فقالوا : لا بل هو العين ، ونشأ الناس ، إلا من شاء الله ، بين هؤلاء الطوائف الأربع ، لا يعرفون سوى أقوالهم ومذاهبهم ، فعظمت البلية ، واشتدت المصيبة ، وصار أذكياء الناس زنادقة العالم ، وأدناهم إلى الخلاص أهل البلادة والبله ، والعقل والسمع عن هذه الفرق بمعزل ، ومنازلهم منهما أبعد منزل ، فنقول وبالله التوفيق ، والله المستعان ، وعليه التكلان :
دل القرآن والسنة والفطرة وأدلة العقول أنه سبحانه خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق ، ولم يخلق شيئا عبثا ولا سدى ولا باطلا ، وإنما أوجد العالم العلويّ والسفلي ومن فيهما ، بالحقّ الذي هو وصفه واسمه وقوله وفعله ، وهو سبحانه الحق المبين ، فلا يصدر عنه إلا حق ، لا يقول إلا حقا ، ولا يفعل إلا حقا ، ولا يأمر إلا بالحق ، ولا يجازي إلا بحق ، فالباطل لا يضاف إليه ، بل الباطل ، ما لم يضف إليه ، كالحكم الباطل والدين الباطل الذي لم يأذن فيه ، ولم يشرعه على ألسنة رسله ، والمعبود الباطل الذي لا يستحق العبادة ، وليس أهلا لها ، فعبادته باطلة ، ودعوته باطلة ، والقول الباطل هو الكذب والزور ، والمحال من القول الذي لا يتعلق بحق موجود ، بل متعلقه باطل ، لا حقيقة له ، وهو سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته ومعرفته ، وأصل عبادته محبته على آلائه ونعمه ، وعلى كماله