وجلاله ، وذلك أمر فطري ، ابتدأ الله عليه خلقه ، وهي فطرته التي فطر الناس عليها ، كما فطرهم على الإقرار به ، كما قالت الرسل لأممهم : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٠)) [إبراهيم].
فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده ، فلو خلّوا وهذه الفطرة ، لنشئوا على معرفته وعبادته وحده ، وهذه الفطرة أمر خلقي ، خلقوا عليه ، ولا تبديل لخلقه ، فمضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة ، ثم عرض لها موجب فسادها وخروجها عن الصحة والاستقامة ، بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة ، مما يوجب خروجهما عن الصحة إلى الانحراف ، فأرسل رسله تردّ الناس إلى فطرتهم الأولى التي فطروا عليها ، فانقسم الناس معهم ثلاثة أقسام.
منهم : من استجاب لهم كلّ الاستجابة ، وانقاد إليهم كل الانقياد ، فرجعت فطرته إلى ما كانت عليه ، مع ما حصل لها من الكمال والتمام في قوّتي العلم النافع والعمل الصالح ، فازدادت فطرتهم كمالا إلى كمالها ، فهؤلاء لا يحتاجون في المعاد إلى تهذيب وتأديب ونار تذيب فضلاتهم الخبيثة ، وتطهرهم من الأدران والأوساخ ، فإن انقيادهم للرسل ، أزال عنهم ذلك كله.
وقسم : استجابوا لهم من وجه دون وجه ، فبقيت عليهم بقية من الأدران والأوساخ التي تنافي الحق الذي خلقوا له ، فهيّأ لهم العليم الحكيم من الأدوية الابتلاء والامتحان ، بحسب تلك الأدواء التي قامت بهم ، فإن وفت بالخلاص منها في هذه الدار ، وإلا ففي البرزخ ، فإن وفى بالخلاص ، وإلا ففي موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية ، فإن وفى بها ، وإلا فلا بد من المداواة بالدواء الأعظم ، وآخر الطب الكي ، فيدخلون كير التمحيص والتخليص ، حتى إذا هذّبوا ، لم يبق للدواء فائدة ، أخرجوا من