مارستان المرضى إلى دار أهل العافية ، كما دلّ على ذلك السّنة المتواترة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وصرح به في قوله : «حتى إذا هذبوا ، ونقّوا ، أذن لهم في دخول الجنة» (١) وكذلك قوله تعالى : (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣)) [الزمر] فلم يأذن لهم في دخولها إلا بعد طيبهم ، فإنها دار الطيبين ، فليس فيها شيء من الخبث أصلا ، ولهذا يلبث هؤلاء في النار على قدر حاجتهم إلى التطهر وزوال الخبث.
القسم الثالث : قوم لم يستجيبوا للرّسل ، ولا انقادوا لهم ، بل استمروا على الخروج عن الفطرة ، ولم يرجعوا إليها ، واستحكم فسادها فيهم أتم استحكام ، لا يرجى لهم صلاح ، فهؤلاء لا يفي مجيء الدنيا ومصائب الموت وما بعده وأهوال القيامة ، بزوال أوساخهم وأدرانهم ، ولا يليق بحكمة العليم الحكيم أن يجاور بهم الطيبين في دارهم ، ولم يخلقوا للفناء ، فهؤلاء أهل دار الابتلاء والامتحان ، باقون فيها ببقاء ما معهم من درن الكفر والشرك ؛ والنار إنما أوقدت عليهم بأعمالهم الخبيثة ، فعذابهم بنفس أعمالهم السيئة ، لهم منها صور من العذاب ، يناسبها ويشاكلها ، فالعذاب باق عليهم ما بقيت حقائق تلك الأعمال ، وما تولّد منها ، فما دامت موجبات العذاب باقية ، فالعذاب باق.
يبقى أن يقال : فهل ذهب أثر الفطرة الأولى بالكلية ، بحيث صارت كأن لم تكن ، وبطلت بالكلية ، وانتقل الأمر إلى العارض المفسد لها ، وعلى هذا فلا سبيل إلى خلاصهم من العذاب ، إذ هو أثر ذلك الفساد الذي أزال الفطرة؟! أو يقال : الفطرة لم تذهب بالكلية ، وإنما استحكم مرضها وفسادها ، وأصلها باق ، كما يستحكم مرض البدن وفساده والحياة قائمة به ،
__________________
(١) رواه البخاري (٢٤٤٠) عن أبي سعيد الخدري.