وقد زعمت طائفة أنّ إطلاق هذه الآيات مقيد بآيات التقييد بالاستثناء بالمشيئة ، فيكون من باب تخصيص العموم ، وهذا كأنه قول من قال من السلف في آية الاستثناء : إنها تقضي على كلّ وعيد في القرآن.
والصحيح أن هذه الآيات على عمومها وإطلاقها ، ولكن ليس فيها ما يدلّ على أنّ نفس النار دائمة بدوام الله ، لا انتهاء لها ، هذا ليس في القرآن ، ولا في السنة ما يدلّ عليه بوجه ما ، وفرق بين أن يكون عذاب أهلها دائما بدوامها ، وبين أن يكون هي أبدية لا انقطاع لها ، فلا تستحيل ولا تضمحلّ ، فهذا شيء ، وهذا شيء. لا يقال : فلا فرق على هذا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، إذ كان كلّ منهما يضمحل وينقطع.
قيل : ما أظهر الفروق بينهما ، والأمر أبين من أن يحتاج إلى فرق ، وأيضا فعذاب الدنيا ينقطع بموت المعذب وإقلاع العذاب عنه ، وأما عذاب الآخرة ، فلا يموت من استحق الخلود فيه ، ولا يقلع العذاب عنه ، ولا يدفعه عنه أحد كما قال تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨)) [الطور] وهو لازم لا يفارق ، قال تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥)) [الفرقان] أي : لازما ، ومنه سمّي الغريم غريما لملازمة غريمه.
فصل
وأما الآثار في هذه المسألة فقال الطبراني (١) : حدثنا عبد الرحمن بن
__________________
(١) «المعجم الكبير» (٧٩٦٩) وفيه جعفر بن الزبير : متروك ، وعبد الله بن مسعر بن كدام ، متروك أيضا ، فالحديث ضعيف جدا.