قال الطبري : وروي عن ابن عباس أنه كان يتأوّل في هذا الاستثناء أنّ الله جعل أمر هؤلاء في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته ، وهذا التفسير من ابن عباس يبطل قول من تأول الآية على أن معناها : سوى ما شاء الله من أنواع العذاب ، أو قال : المعنى إلا مدّة مقامهم قبل الدخول ، من حين بعثوا إلى أن دخلوا ، أو أنها في أهل القبلة ، وما يعني من أو أنها يعني الواو ، أي : وما شاء الله ، وهذه كلها تأويلات باردة ركيكة ، لا تليق بالآية ، ومن تأملها جزم ببطلانها.
وقال السدي في قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣)) [النبأ] قال : سبع مائة حقب كلّ حقب سبعون سنة ، كل سنة ثلاث مائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدّون. وتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة ، يحصرها العدد. هذا قول الأكثرين.
ولهذا تأويل الزجاج الآية على أن الأحقاب تقييدا لقوله : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤)) [النبأ] وأما مدة مكثهم فيها ، فلا يتقدر بالأحقاب ، وهذا تأويل فاسد ، فإنه يقتضي أن يكونوا بعد الأحقاب ذائقين للبرد والشراب.
وقالت طائفة أخرى : الآية منسوخة بقوله : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨)) [الحجر] وقوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩)) [البقرة] وهذا فاسد أيضا إن أرادوا بالنسخ الرفع ، فإنه لا يدخل في الخبر إلا إذا كان بمعنى الطلب ، وإن أرادوا بالنسخ البيان ، فهو صحيح ، وهو إنما يدل على أن عذابهم دائم مستمر ما دامت باقية ، فهم فيها خالدون ، وما هم بمخرجين ، وهذا حقّ معلوم دلالة القرآن والسنة عليه ، لكن الشأن في أمر آخر ، وهو أن النار أبدية دائمة بدوام الرب ، فأين الدليل على هذا من القرآن أو السنة بوجه من الوجوه.
وقالت طائفة : هي في أهل التوحيد ، وهذا أقبح ممّا قبله ، وسياق الآيات