يردّه ردا صريحا ، ولما رأى غيرهم بطلان هذه التأويلات قال : لا يدل ذكر الأحقاب على النهاية ، فإنها غير مقدّرة بالعدد ، فإنه لم يقل عشرة ولا مائة ، ولو قدرت بالعدد ، لم يدل على النهاية إلا بالمفهوم ، فكيف إذا لم يقدر ، قالوا : ومعنى الآية أنه كلما مضى حقب تبعه حقب لا إلى نهاية ، وهذا الذي قالوه لا تدلّ الآية عليه بوجه ، وقولهم : إنّ الأحقاب فيها غير مقدرة ، فيقال : لو أريد بالآية بيان عدم انتهاء مدة العذاب ، لم يقيد بالأحقاب ، فإن ما لا نهاية له ، لا يقال هو باق أحقابا ودهورا وأعصارا ، أو نحو ذلك ، ولهذا لا يقال ذلك في نعيم أهل الجنة ، ولا يقال للأبديّ الذي لا يزول هو باق أحقابا ، أو آلافا من السنين ، فالصحابة أفهم للآية (١) ولمعاني القرآن ، وقد فهم منها عمر بن الخطاب خلاف فهم هؤلاء ، كما فهم ابن عباس من آية الاستثناء خلاف فهم أولئك ، وفهم الصحابة في القرآن هو الغاية التي عليها المعول ، وقد قال ابن مسعود : ليأتين على جهنم زمان ، تخفق أبوابها ، ليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا.
وقال ابن جرير : حديث عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس ، (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (١٠٧)) [هود] ، قال : أمر الله النار أن تأكلهم ، قال : وقال ابن مسعود ، فذكره.
وقال حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن بيان ، عن الشعبي ، قال : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا.
قلت : لا يدل قوله أسرعهما خرابا على خراب الدار الأخرى ، كما في قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)) [الفرقان] وقوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩)) [النمل] وقوله في الحديث : «الله أعلا
__________________
(١) في الأصل : «أفهم الآية لمعاني القرآن» ولا تستقيم.